Saturday, March 8, 2008

الطفولة المسلوبة

"مريع هو الشقاء الذي يرتسم على وجوه الأطفال الذين رأوا أكثر مما يجب بالنسبة ‏لعمرهم .. حكمة سابقة للأوان على جبينهم .. و زهد في الوجود لم يحن وقته بعد .."

د.أحمد خالد توفيق – أسطورة إيجور - سلسلة ما وراء الطبيعة




العالم ملئ بهؤلاء الذين يحملون هذا التعبير على وجوههم كنتاج لتجارب قاسية مبكرة.. فقر .. فقد أحد الأبوين أو كليهما .. ظروف حرب .. التعرض لاعتداء أو عنف .. رؤية مشاهد قاسية عن قرب.. سجن .. تعذيب .. صدمة قوية فى صديق أو حبيب .. أو أية تجارب أخرى لم ترد بخاطرى الآن.

لكنى سأتكلم اليوم عن نوع واحد منهم .. أطفال الشوارع و المتسولين .. يا إلهى .. لكم تؤلمنى طفولتهم المسلوبة منهم .. و براءتهم التى اغتالتها ظروفهم.

يدورون طوال اليوم فى الشوارع لجمع ما يجود به المارة عليهم و ربما يتعرضون للإهانة أو المعاملة القاسية .. هذا بالإضافة للعقاب الذى ينتظرهم إن لم يعودوا بالمال المفترض أن يعودوا به لأهلهم أو من يستأجرهم ثم يفترش معظمهم -ممن لا مأوى لهم - الأرصفة ليناموا فى العراء و يعانوا من قيظ الصيف أو برد الشتاء .. أية حياة تلك؟

و كأى ظاهرة دعونا نناقش أسبابها و نتائجها و ربما الحلول المقترحة أيضاً. و كتسلسل منطقى سنبدأ بالأسباب حتماً.

لم أقم ببحث ميدانى و لكنى أعتقد أن الأسباب التى توصل أى طفل إلى أن يكون طفل شارع أو متسول لا تخرج عن:

1- أسرة فقيرة لا تستطيع ملء أفواه أو بطون أطفالها الجوعى فتدفعهم للعمل و لكن عمل مهين جداً .. و هو التسول .. و يتحول الأمر مع الوقت إلى احتراف .. أى أنهم يتسولون حتى لو لم يعودوا بحاجة ماسة إلى ذلك و بعضهم يبنى عمارات من ناتج التسول لفترة طويلة.

2- أسرة فقيرة لا تستطيع ملء أفواه أو بطون أطفالها الجوعى فتلقيهم للشارع فيلجأون لذات العمل المهين سواء لحسابهم الخاص أو بعد أن يستأجرهم البعض.

3- أسرة فقيرة أخرى و لكن تتميز بشئ .. أسرة مفككة أو تعانى مشاكل أسرية أو تمارس العنف الجسدى على الأطفال فيهرب الطفل بنفسه -إن لم تلقه الأسرة- إلى الشارع و يلجأ لذات العمل.

4- طفل بلا أسرة أصلاً أو عائل هذه المرة فيلجأ لذات العمل المهين -يالهذا التكرار الممل-.


إذاً فالسببان الرئيسيان هما: الفقر و الأسرة.

و الفقر طبعاً سببه فقد العائل الرئيسى للأسرة أو عدم توافر عمل أو توافر عمل غير مجزى. و فى رأيى كلها مشاكل حكومة فى الأساس .. فكل مواطن من حقه أن يحصل على حياة كريمة من خلال عمل يحفظ كرامته و يكفى عائده لتوفير الإحتياجات الأساسية للأسرة على الأقل .. أو معونة فى حالة عدم توافر هذا العمل.

و أرجوكم لا يقول لى أحدكم أننا دولة فقيرة لا تملك إمكانيات كافية -فرصة أتكلم فى السياسة بقى :D - .. فنحن نمتلك موارد عديدة تحسدنا عليها دول غنية جداً -و لهذا تعرضنا لمحاولات احتلال عديدة- .. و لكننا نسئ استغلالها عن جهل أو عن قصد .. فقط لو كانت لدينا حكومة تجيد الإدارة فعلاً و تملك الرغبة الصادقة لتحسين الأوضاع و توقف البعض عن الإختلاس و السرقة من أموال الدولة التى هى أموال الشعب بالتالى لكنّا فى وضع آخر تماماً .. فنحن نعانى أزمة ضمير فعلاً .. أعتقد أن موت الضمائر سبب معظم مشاكلنا فى مصر -إن لم يكن كلها-.


أما مشكلة الأسرة فهى مؤلمة بحق .. يصعب علىّ دوماً تصور أن يلقى أب أو أم فلذات أكبادهم للشارع أو يستغلانهم بالعمل كمتسولين -إن كان لنا أن نسمى هذا عملاً- .. من أى شئ قدت هذه القلوب؟ أم أنهم لا يملكون قلوباً من الأساس؟

الفقر ليس بمبرر .. بل إن بعضهم يعاقب أولاده فعلأ -إن لم يعودوا بمبلغ معين من المال- بعنف.

قبل أن أتخرج من الكلية –منذ عدة أشهر- كنت أرى يومياً تقريباً فتيات صغيرات جداً يتسولن أمامها بإلحاح شديد إلى حد التعلق بالملابس.

و ذات مرة قالت فتاة منهن -بعد أن منحناها بعض المال- أنه قد تبقى لها عدة جنيهات لا أذكر عددها الآن لتتم عشرة جنيهات .. فسألتها -و أنا أعرف الإجابة- عن السبب .. فأخبرتنى أنها لا بد أن تجمع هذا المبلغ يومياً لوالدتها و إلا ... و لم تكمل.

السخيف فى الأمر أن أمها تجلس فى مقدمة الشارع بلا عمل - تبيع بعض المناديل التى هى وسيلة للتسول أيضاً- و تأمر ابنتاها بأن تتسولا .. لشد ما أتمنى أن يعاقب أمثال هذه السيدة.

أحياناً كنت أسأل بعض الفتيات –اللاتى تبدو أعمارهن أكثر من عشر سنوات- لم لا يعملن بدلاً من التسول؟ .. فى الغالب كن يتجاهلن السؤال و يستمررن فى الإلحاح أو يتركننى بلا رد ليتسولن من شخص آخر.

لقد اعتدن حياة التسول و لا يردن أن يبذلن جهداً لكسب المال بوسيلة شريفة.

و هذا يوصلنا للنتائج:

1- و هى أهم نقطة فى رأيى .. و هو موت الكرامة .. فاعتياد التسول و التذلل للناس يقتل كرامة المرء و يعلى قيمة المال لديه على أى شئ آخر. و مع عدم توافر تربية جيدة أو وازع دينى أو أخلاقى أو حتى تعليم يمكن أن يسرق المرء أو يرتكب أى فعل من أجل المال .. و الذي يؤلمنى بحق و يدور بخيالى حينما أتعامل مع فتيات متسولات هو .. أتبيع أغلى ما لديها من أجل بعض الجنيهات؟

و عموماً أنا أعتبر أى طفل شوارع مشروع مجرم أو منحرف .. لذا فهم خطر حقيقى على المجتمع.

2- تعرضهم للعنف الجسدى أو الاغتصاب .. فلا أحد يبالى بهم أو يحميهم. و فى الغالب ينشأون بنفسية غير سوية و هذا أيضاً خطر على المجتمع.

3- تعرضهم للاستغلال من عصابات التسول ليجمعوا لهم المال و يعاقبونهم بعنف إن قصروا.. حتى إننا أحياناً نرفض اعطاءهم المال لمعرفتنا أن الكثير منهم كذلك فنظلم المحتاج الحقيقى. و الأسوء أن بعضهم ينضم إلى العصابات الإجرامية.

4- مظهرهم يسئ إلى مصر أمام الأجانب و يشوه مظهر شوارعنا.

و كما ترون التسول و حياة الشوارع تعود بالسلب عليهم و على المجتمع . عموماً من أخطر الأشخاص الشخص الذى ينشأ فى ظروف سيئة خارجة عن إرادته .. ينشأ ساخطاً على المجتمع حاقداً عليه .. و ربما يسعى للإنتقام .. و هذه هى السيكوباتية كما أفهمها.


ما الحل؟

بالطبع الحلول الفردية لا تصلح .. الحلول لابد أن تقوم بتنفيذها الدولة أو مؤسسات المجتمع المدنى.

لا بد أن يصدر قانوناً لمنع التسول -أعتقد أن هناك واحداً و لكنه حتماً لا ينفذ- و ينفذ فعلاً.

و لا بد من جمع جميع المتسولين -الأطفال منهم- و أطفال الشوارع عموماً فى مؤسسات لإعادة تأهيلهم و توفير الحياة الكريمة و التعليم لهم.

و بالطبع للقضاء على جذور المشكلة توفير فرص عمل أو معونات للأسر الفقيرة و توعيتهم.

لكن بالطبع هذا لن يحدث لأن الدولة لا تغيب عنها هذه الحلول .. فقط هم لا يهتمون .. يصرفون الملايين و ربما المليارات لنقل تمثال أو لبناء متحف أو ترميم قصر قديم أو بناء و إنشاء مشروعات من التى تندرج تحت بند الرفاهيات و يتركون المواطنين جوعى يفترشون الأرصفة!!!

نحن نحتاج إلى تغيير جذرى فى هذا البلد فعلاً و إلا سيتغير الحال من سئ إلى أسوء.


ماذا يمكننا أن نفعل كأفراد؟ للأسف ما يمكننا فعله قليل. كل ما نستطيع فعله هو محاولة نصح هؤلاء الأطفال أو أهلهم و عدم تشجيع التسول برفض الإستجابة له. أو المشاركة فى منظمة أو مؤسسة لرعايتة أطفال الشوارع أو التبرع لها.

لدى حلم أتمنى أن ينتقل من إطار الأحلام إلى إطار الواقع يوماً بأن أدير مؤسسة لإعادة تأهيل و رعاية أطفال الشوارع و إخراجهم مواطنين صالحين .. يارب.

6 comments:

Hoda said...

مش لاقيه كلام أقوله بس أكيد احساسي لو يتوصف كان قال كتير
ولكن كما قولتي الموضوع مش هينفع معاه حلول فرديه

hamssah said...

ليه لا نبدا بالحلول الفرديه وبيها تبتدي الحلول الجماعيه
انا سمعت عن موسسه ما تحتضن مثل هولاء الاطفال ولكن عندما يصلون الى سن معين لا تستطيع هذه الموسسه ان تفرض عليهم الاستمرار معها ويكون الاستمرار اختياري
وللاسف بعد سن 18 يفضلوا ان يغادروا الموسسه
لماذا لا ادري؟
كنت اتمنى ان املك ارضا واسعه لكي ابني لهم بيتا اجمعهم فيه واعطي لهم ما حرمتهم الايام منه
همسه

romalistic said...

هدى:
شكراً أوى

romalistic said...

همسة:

احنا ممكن نبدأ بالحلول الفردية أكيد بس هى مش كفاية للأسف ):

أظن إن فى مؤسسات كتير بس مش كفاية و إلا كانت الظاهرة اختفت.
أعتقد لا زم يسيبوهم لما يكبروا عشان خلاص يقدروا يعتمدوا على نفسهم و ياخدوا بداله مأطفال تانيين

أنا كمان كان نفسى أوى أقدر أجمعهم و أعلمهم و يبقى فى خبراء تربية عشان هما بيبقى عندهم عنف كده و أهلهم مش بيعلموهم الصح من الغلط و متعودين على عدم النضافة.
و يتعلموا حرفة أو يبقوا مؤهلين للعمل عشان يقدروا يعتمدوا على نفسهم.

و شكراً على زيارتك يا جميل و أرجو تزورينى دايماً :)

Lobna Ahmed Nour said...

فعلا الطفولة المسلوبة اللي بتتكلمي عنها بنثير جوايا حزن والم شديد على الاطفال دول اللي فقدوا ابسط حقوقهم الانسانية .. بنشوفهم في الشوارع بيشحتوا او يشتغلوا او يتضربوا وماحدش بيعمل حاجة علشان ينقذهم

موضوع مهم جدا .. شكرا ليكي على طرحه

تحياتي

romalistic said...

unique:

شكراً على زيارتك